دور العبادة غير الموحد
November 13th, 2011 9:27 am
التحريرمقالات
خالد البرى
لقد صارت السلطة فى مصر خبيرة فى التلاعب بالألفاظ لتفريغ أى شىء وكل شىء من محتواه، بل وتحويله إلى النقيض تماما. حسب ما نشر فى جريدة «الأهرام» أول من أمس، فإن وزير العدل محمد عبد العزيز الجندى قرر أن يظل قانون دور العبادة للمسلمين كما هو، بينما يوضع قانون خاص لدور العبادة غير الإسلامية «يخلصها من قيودها». كيف نسميه قانون دور العبادة «الموحد» إذن؟
طبعا هذا القرار نسف الموضوع من أساسه، وتوه الرسالة بعنوان لا يُستدل عليه. لكن ما علينا، تعال ننظر فى التفاصيل. اقرأ بداية هذه الجملة منقولة عن مساعد وزير العدل مُلخصا بعضا من شروط بناء دور العبادة غير الإسلامية:
1- أن لا تقل المسافة بين المكان المطلوب بناء دار العبادة فيه وبين أقرب دار عبادة مماثلة وقائمة بالفعل عن خمسمئة متر فى المدن وثلاثمئة فى المناطق الريفية.
2- حظر بناء دور العبادة على الأراضى الزراعية إلا فى حالة الضرورة القصوى، وبعد موافقة وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى ومجلس الوزراء على تبوير تلك الأراضى وبناء دور العبادة عليها.
3- يحظر القانون الجديد البناء على أرض متنازع عليها وقت تقديم الطلب.
4- لا تقل المساحة عن ثلاثمئة متر مربع فى المدن ومئة وخمسين مترا مربعا فى القرى، وذلك بهدف تجنب عمل زوايا تفتقد المعنى الصحيح للكنائس، أو معابد لا تفى بغرض العبادة الصحيحة، وحتى تكون تلك الدور لائقة ومناسبة للغرض المخصصة له.
هذه الشروط، رغم أنها فى الحقيقة «تفرض قيودا»، فإنها منطقية تماما بوجه عام. وبما أنها منطقية فما الذى يمنع -إسلاميا- أن تكون شروطا على الجميع؟ لماذا تحرص الدولة على «تجنب عمل زوايا تفتقد المعنى الصحيح للكنائس»، ولا تحرص على تجنب عمل زوايا «تفتقد» المعنى الصحيح للمساجد؟ ما الذى يمنع إسلاميا أن يحظر بناء المساجد على الأراضى الزراعية إلا فى الضرورة؟ وما الذى يمنع إسلاميا أن يُحظَر بناء المساجد على الأرض المتنازع على ملكيتها حتى يفض النزاع؟
دور العبادة غير الإسلامية، حسب التصريح، ستكون فى عهدة المحافظ. والسؤال مرة أخرى: لماذا لا تكون دور العبادة الإسلامية أيضا فى عهدة المحافظ؟ بالعكس، أعتقد أن هذا سيلزم الدولة ببناء عدد أكبر من المساجد الكبيرة تتناسب مع عدد المسلمين الذى يفوق عدد المسيحيين فى مصر بأضعاف، بدل أن يترك الموضوع للاجتهادات الشخصية فيصير فى كل حارة مسجد صغير لا يتسع ولا حتى لمئة مصل، ويضطر الناس إلى الصلاة فى الشوارع فى وقت الظهر وتحت الشمس الحارقة.
إن لفظة الجامع التى نستخدمها فى حياتنا اليومية نشأت من هذا التنظيم لدور المسجد كمكان يجمع المسلمين معا، فلا تتعارك الميكروفونات فى الهواء ويتصايح بعضها على بعض، ولا تعطى سلطة الخطابة وإرشاد الناس لمن لا يستحق ولا تأهل. والله إنى لأحزن وأنا أستمع إلى خطباء لا يفقهون شيئا لا فى اللغة العربية ولا فى الدين ولا فى المنطق الإنسانى، يحرضون بعضا من المواطنين على بعض، ويفتون فى كل شىء بغير علم بكلام لو قاله سياسى لحوسب بالقانون، وينشرون خرافات ليس لها علاقة بالدين. كلامهم مضحك مبك، ضال مضل. أراهم يتبوؤون موقع العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، بينما لا يكادون يكملون جملة واحدة صحيحة، لا لغة ولا صياغة ولا معنى. كأن الإمامة -بما للكلمة من دلالات- صارت مهنة لمن لا مهنة له.
ما تمنحه السلطة للمساجد من «ميزات» يعيبها. رأينا ذلك بالتجربة لا بالتوقع ولا بقراءة المستقبل. والأفضل أن تشتمل خطط البناء فى المناطق السكنية على مسجد جامع كبير يجتمع فيه المؤمنون لسماع شخص مؤهل يقدم للناس قدوة حسنة. هذا هو الغرض من القوانين التنظيمية، وهو غرض يصلح للمساجد بالضبط كما يصلح للكنائس، فلماذا تحرمونها منه؟
وبالإضافة إلى ذلك، لماذا يمنع القانون بناء دور العبادة لغير الأديان السماوية الثلاث؟ لماذا لا نقدم «لمحة إنسانية» لآلاف الصينيين الذين يعيشون ويعملون فى مصر، وآلاف اليابانيين الذين يأتون لزيارتها ببناء معبد بوذى لهم، كرمز للمودة، ولو من باب السياحة الدينية؟ ألا نطالبهم نحن باحترام حقوق المسلمين والسماح لهم بالتعبد؟ حتى إن كانوا لا يفعلون ذلك أليس من الأفضل والأقوى لحجتنا أن نبدأ بأنفسنا؟
التحرير