الشهيد مينا دانيال المتهم الأول
محمد أبو الغار
إعلان وثيقة اتهام وطلب حضور الشهيد مينا دانيال للنيابة العسكرية، ثم القبض على هانى سيفين فى منزله واتهامه بالمشاركة فى أحداث ماسبيرو، والذى تبعه حبس المدون والناشط السياسى الوطنى علاء سيف أمام محكمة عسكرية لمدة 15 يوماً، لرفضه التحقيق أمام نيابة عسكرية- تدل بوضوح على أن هناك غلطاً فى تفكير وتصرف المجلس العسكرى، لأن السير فى هذا الطريق يؤدى إلى التهلكة لمصر والمصريين. النظام المصرى، تحت قيادة المجلس العسكرى، يجب أن يعرف أنه يرتكب أخطاء فادحة، ويجب أن يعيد التفكير فوراً ويلجأ إلى مستشارين جدد ينصحونه ويرشدونه للطريق السليم قبل فوات الأوان.
ولنبدأ بالخطأ الحالى، وهو محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وقد كان مطلباً شعبياً واضحاً منذ فترة طويلة، ثم طلبه رؤساء الأحزاب جميعاً عند اجتماعهم مع المجلس العسكرى، ومع كل ذلك استمرت محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية وتم تطبيق ذلك بكثافة على الناشطين السياسيين والمتظاهرين السلميين وليس البلطجية، كما سبق أن قيل لنا، كل ذلك أمر يصعب تصديقه بعد ثورة مصرية كبيرة، وكيف نقبل أن تعود المحاكمات العسكرية الظالمة التى طالما ناهضناها فى عصر مبارك؟! فيجب فوراً إلغاء الأحكام العسكرية التى صدرت على شباب الثورة، وكذلك وقف أى محاكمات عسكرية للمدنيين مستقبلاً، حتى يمكن بدء تصفية الجذب والشد العنيف بين الجيش والشباب.
نعود إلى أصل الحكاية.. وهى مأساة ماسبيرو التى أساءت السلطة فيها تقدير الموقف وتصرفت القيادة المحلية أمام ماسبيرو بطريقة فجة أدت إلى مقتل ما يزيد على خمسة وعشرين من زهرة شباب مصر دون سبب غير أنهم قاموا بالتظاهر السلمى.
الحدث الكارثى سببه سوء تقدير وسوء تصرف واستخدام مفرط للقوة وعدم قدرة الدولة على حماية مظاهرة سلمية معلن عنها ومعروفة قبلها بعدة أيام! وأنا لا أدرى لماذا ذهبت الشرطة العسكرية لهذا المكان أصلاً، ولماذا لم تتواجد الشرطة العادية فقط وتتدخل فقط إذا حدث اعتداء على المنشآت؟!
بعد هذه المصيبة، التى شعر بها كل مصرى والتى سيبقى أثرها طويلاً وسوف يؤثر على مستقبل النظام فى مصر، لم يقدر المجلس هول المأساة الإنسانية ويعرف دقة حجم المشاكل السياسية المترتبة على ذلك.
السياسة الحكيمة الوحيدة الممكنة الآن هى، أولاً: الاعتذار للشعب المصرى كله عن الخطأ البشع الذى حدث أمام ماسبيرو والوعد بالتحقيق فى أسبابه وإعلان ذلك، واعتذار المجلس ليس عيباً بل سوف يزيد احترامه. وثانياً: كانت إقالة وزير الإعلام وإجراء تحقيق جدى فيما حدث فى التليفزيون المصرى والصحف، القومية التى ارتدت عباءتها القديمة فى لحظة واحدة أمر ضرورى، فقد نسيت كلامها عن الثورة وعن حرية الإعلام وحياده فى لحظة واحدة وقامت بتضليل الشعب المصرى كله لعدة ساعات ظهرت بعدها الفضيحة والكذبة، وكأنهم لا يتعلمون ولا يتعظون ولا يعرفون أن العالم الآن كله أصبح قرية صغيرة وأنه ولا حتى أمريكا تستطيع أن تحفظ سراً، فما بالك بواقعة سجلتها عشرات الفيديوهات والكاميرات؟! وكان الخطأ التالى هو المؤتمر الصحفى العسكرى الذى اعتبره الجميع فاشلاً وكان أثره سلبياً للغاية وبعد ذلك كنت أتوقع أن تتحسن الأحوال ويبدأ التفكير المنطقى ولكن جاءت صدمة الضغط على قناة أون تى فى- ON tv- حتى قام يسرى فودة بإيقاف برنامجه طوعاً حرصاً على القناة التى يعمل بها، وسمعنا عن أعمدة فى الصحف تطير وتختفى بفعل فاعل ولكنها لحسن لحظ عادت فى اليوم التالى.
هل تتحمل مصر الآن أن يجتمع برلمان الاتحاد الأوروبى ليأخذ قراراً ضدها ثم يقدم 41 من أعضاء الكونجرس مشروع قرار ضد مصر؟
ألم يحن الوقت أن نكون قادرين على التفكير، ونفيق من هول الصدمة ونتحرك إيجابياً؟ لقد حاول المجلس العسكرى أخيراً لمّ الدور، وقابل كبار القساوسة ثم قابل المشير البابا شنودة وتم الاتفاق على إعادة وضع كنيسة الماريناب وتصحيح أوضاع الكنائس المصرية غير المرخصة، ونرجو أن يحدث ذلك فى أقرب فرصة وأنا أعتقد أن مسألة هدم وحرق الكنائس يجب أن تتوقف ولقد سمعت اقتراحاً جيداً بالسماح ببناء المساجد والكنائس بشرط واحد وهو بناء مدرسة بجوار الجامع أو الكنيسة على أن تكون مدنية تابعة لوزارة التعليم، وهو اقتراح يستحق الدراسة.
أنا لا أدرى بدقة كيف تتخذ القرارات فى المجلس العسكرى، وهل هناك طريقة منظمة للتفكير فى كل قرار وفائدته وخطورته ورد الفعل الشعبى والعالمى عليه؟! لا أعتقد ذلك، ولكننى أعتقد أن هذا الأمر مهم جداً فى الشهور المقبلة حتى لا تنهار مصر.
ومبدئياً، يجب إعطاء صلاحيات كاملة لمجلس الوزراء وعدم فرض الوصاية عليه، لأن مجلس الوزراء أصبح «لا يهش ولا ينش»، وهو مطحون دون سلطات بين ضغوط وسلطات المجلس العسكرى وبين ضغوط شعبية من المستحيل الاستجابة لمطالبها فى فترة زمنية قصيرة أو إلغاء الوزارة مع استبدالها بوزارة مصغرة لإدارة الانتخابات. وعلى مجلس الوزراء أن يقوم برعاية مصابى وشهداء ماسبيرو دون إبطاء لمنع تعميق الجراح.
الأمر الآن أصبح غير مفهوم، لأن الانفلات الأمنى الشديد يظن الكثيرون أنه خطة مدبرة ربما من الشرطة أو غيرهم لإفساد مستقبل مصر الديمقراطى الذى كان واعداً بعد الثورة.
إذا لم يكن المجلس العسكرى قد أفرج عن علاء سيف وهانى سيفين وبقية المحبوسين حتى نشر هذه المقالة، فلنعلم جميعاً أن هذا أمر لن يمر داخلياً ولا خارجياً، لأن الشعب لاحظ أن المحاكم العسكرية مفتوحة خصيصاً للنشطاء السياسيين وليس للبلطجية.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.