راهب الطب يستنجد بالطيب وشنودة قصــر العيني يطلـــب الإسعـــاف
نجحنا في إدارة قناة السويس, وفشلنا في إدارة قصر العيني. قول مأثور أطلقه الرئيس جمال عبد الناصر ذات يوم ولايزال ـ من سوء حظنا ـ ساريا حتي اليوم!
ولأن القصر ليس مجرد كلية طب عريقة, وليس مجرد مستشفي كبير للغلابة كان ينبغي التعامل مع عميده الجديد بطريقة مختلفة, فالدكتور حسين خيري هو أول استاذ يتم انتخابه عميدا.. كما أنه رجل بلا عيادة وبلا سيارة وبلا طموح مادي.. كل حياته من الصباح الي المساء في غرفة العمليات أو في قاعة المحاضرات, أساتذة قصر العيني اختاروه راهبا ليدير مملكتهم مع يقينهم أنه يمتلك عقلا راجحا ومشرط جراح لايقارن في حين يحتاج الأمر الي عصا موسي!!.
فهل يفعلها الراهب الدكتور حسين خيري ويرد علي جمال عبدالناصر؟
كنت أحمل عشرات الأسئلة.. عن خطته وأفكاره غير التقليدية التي يسعي لتحقيقها.. ورؤيته.. عن الميزانية وجدواها.. عن الطالب ودعمه وتعليمه وتدريبه.. عن قوائم الانتظار.. قسم الطوارئ.. عن الأساتذة والتمريض.. عن النائب ودوره.. عن تأمين القصر.. عن العشرة آلاف طالب داخل قصر العيني.. عن أغرب حكايات المرضي الفقراء والأغنياء معا داخل هذا الصرح الذي يعد أعرق مدرسة للطب في مصر والوطن العربي وافريقيا.. ولكن الدكتور حسين خيري فضل الايجيب بالكلمات مفضلا أن تثبت الايام القادمة أن الانجاز أفضل الكلمات.
يقول الدكتور حسين خيري: قصر العيني يستقبل نحو ثلاثة ملايين مريض سنويا ولدينا3700 عضو هيئة تدريس ونحو13 ألف طبيب وموظف وعامل.. و5200 سرير منها3500 سرير بالمجاني ويتم اجراء55 ألف عملية جراحية في السنة.. ولدينا ايضا قوائم انتظار طويلة.. ولهذا أدعو كلا من مؤسسة الأزهر الشريف والكنيسة المصرية للتبرع لـ قصر العيني. باعتبارها حملة قومية إنسانية.. أدعو الدكتور أحمد الطيب أن يخصص جزءا من أموال الزكاة وكذلك البابا شنودة بطريريك الكنيسة المصرية بتقديم جزء من أموال العشر لمساعدة هذا الصرح الطبي لتقديم خدمة طبية أفضل وأسرع.. وكذلك مساهمات رجال الأعمال.. والمعروف ان الميزانية المخصصة للقصر لاتغطي أبدا حجم احتياجات قصر العيني.. فإذا كانت الميزانية المخصصة من الدولة لاتزيد علي146 مليون جنيه سنويا فهي لاتغطي سوي50% من حجم احتياجاتنا السنوية وكذلك التبرعات التي نحصل عليها من جمعية أصدقاء قصر العيني في بنك مصر.. لاتكفي أيضا رغم أهميتها.
وادعو ايضا ان يمنح كل أعضاء هيئة التدريس ساعة من وقتهم لتعليم الطلبة وعلاج المرضي في هذه الأوقات الصعبة.. حتي ننهض بالعلم والعملية التعليمية ونقلل من معاناة المرضي..
وعندما سألته عن الفكرة الجديدة التي يقودها طلاب طب قصر العيني تحت عنوان جنيه منك وجنيه مني هنطور قصر العيني يقول الدكتور خيري.. أدعم هذه الفكرة التي يتبناها اتحاد الطلبة وأسرة سنابل.. وهؤلاء الطلبة يفكرون في الإسهام في تطوير غرف عمليات الجراحة التي تخدم آلاف المصريين.. فالطاولة الواحدة الخاصة بإجراء العمليات الجراحية تتكلف50 ألف جنيه والكشاف الضوئي يتكلف عشرين ألف جنيه وهذه الدعوة من الدعوات النبيلة..
وأضاف مسألة تأمين قصر العيني من البلطجة مستمرة وقد قلت نسبيا, وذلك بمساعدة الجهات المختصة.. وكذلك تنظيم مجموعات من الموظفين لإيجاد جو آمن وأيضا مساعدة مجموعة من المتطوعين لتحقيق الأمن..
وعندما سألته عن حقيقة مقولة الرئيس جمال عبد الناصر عندما قال عرفنا ندير قناة السويس.. ومش عارفين ندير قصر العيني فقال الدكتور خيري: عبد الناصر زعيم ملهم ومقولته هذه تدلل علي مدي صعوبة مهمة إدارة قصر العيني.. واستاء جدا من تعبير قصر الغلابة.. وفضل ان يطلق عليه قصر المصريين وكأنه لايريد كسر المرضي بكسر مضاعف وهو الغلب والمرض!!.
نظرت الي الصورة المتصدرة المكتب.. وهي صورة الدكتور علي باشا إبراهيم الذي كان أول عميد مصري لقصر العيني من سنة1929 ـ.1940
وحاولت ان أكمل الحوار بالكلام عن العمداء السابقين.. مثل الدكتور هاشم فؤاد الذي رفض منصب وزير الصحة وكان واحدا من أنجح من تولوا عمادة قصر العيني بشهادة القاصي والداني.. إلا أن الدكتور حسين رفض.
لملمت أوراقي وخرجت.. وما لفت انتباهي انني.. وجدت دكتور حسين نزل من مكتبه.. التف حوله الطلبة وتحرك معهم بمنتهي المودة يستمع اليهم.. لم تكن هناك سيارة تنتظره أو حراسة أوسائق وفي حديقة قصر العيني قال: أبسط الاشياء التي يجب ان تراعي هو نظافة وشكل حديقة قصر العيني, وبرغم انها أمر بسيط بالنسبة للقضايا الأخري.. وهي متعلقة بالشكل وليس الجوهر.. ولكن الاهتمام بالتفاصيل أمر مهم للعبور الي النجاح.. بدءا من الحديقة الي قاعة المحاضرات الي حجرة العمليات.. من الموظف البسيط الي الطالب الي الممرضة الي الأستاذ.
وتذكرت ما قرأته علي موقع تأييد الدكتور حسين خيري علي موقع الفيس بوك.. قال أحد تلاميذه.. أصبح عميدا وليته كان رئيسا لاشك اننا جميعا كنا نندهش من تفاني هذا الرجل في العمل واخلاصه وحرصه علي عمل مصلحة تلاميذه واعماله الخيرية( اسم علي مسمي) لايمتلك مستشفي أو عيادة خاصة أو سيارة فارهة, لقد اختار زرعا طيب الأثر والسيرة العطرة التي لاتنتهي بانتهاء صاحبها.
اختار ان يضع بصمة في كل جيل يتخرج في هذه المؤسسة.
وآخر يقول عنه إنه الطبيب الحلم وهو يمثل رفاهية الأداء الإنساني والجراحي.. كلمات كثيرة تحمل كل معاني التقدير والشرف.
هذه هي مصر التي تطل علينا من تحت رماد نزيف طال طويلا. هامات مخلصة متعلمة أمينة, فهل تعبر بنا من جزيرة الانكسار لشواطئ الانتصار؟.