«يا خيل الله اركبى، ندعوكم للإعصار، الوقفة الثامنة للأخت كاميليا شحاتة»، دعوات انتشرت فى الأسابيع الماضية الفيسبوك ومناقشات المنتديات للدعوة للوقفة الاحتجاجية «الكبرى» بمسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، بعد صلاة الجمعة اليوم.
«مطالبنا أن تخضع الأديرة للتفتيش عن الأسلحة، والبابا للمحاكمة، وأن يتم تسليم كاميليا للنائب العام»، الحديث لأحمد الذى رفض نشر اسمه كاملا، وهو أحد المنظمين الرئيسيين لمظاهرات المطالبة كاميليا شحاتة.
الشاب العشرينى الملتحى يعمل مهندسا ويقول إنه لم يكن له نشاط سياسى ولم يشارك فى مظاهرة من قبل. يقول أحمد أن الأحزاب والحركات السياسية فى مصر تقوم كلها على مبادئ علمانية، «وده اللى خلانا ما نشاركش فى أى حركة سياسية، بما فيها الإخوان، لأنهم صرحوا أكتر من مرة إن هدفهم ليس إقامة دولة إسلامية».
أما سر الحديث عن نفسه بصيغة الجمع فى «ما نشاركش» هو أن أحمد يرى أن رأيه يعبر عن غيره من «أهل السنة السلفيين». تعرف أحمد على المنهج السلفى منذ عدة سنوات على يد أحد أصدقائه، وتعمق فى فهمه بحضوره «دروس علم» على يد الشيوخ محمد عبدالمقصود، ونشأت أحمد وسيد العربى وغيرهم. «أغلبهم ممنوعون فى الخطابة بالمساجد، ويحضر دروسهم بعض الخواص من طلبة العلم، وأحيانا يتم تسجيل هذه الدروس ورفعها على الإنترنت».
ثم التحق بمعهد «العزيز بالله للدراسات الشرعية» بالزيتون، الذى يعد أحد أشهر المعاهد السلفية فى القاهرة، «لأن كل المشايخ الكبار حاضروا فيه، مثل الشيخ محمد حسان وأبوإسحق الحوينى».
يقول أحمد إن السلفيين صغارا ومشايخ قد حاولوا جذب الانتباه لقضية وفاء قسطنطين، زوجة راعى كنيسة أبوالمطامير بالبحيرة التى قيل أنها أسلمت، «لكن كان هناك صمت مخز، وما حدش اتحرك». هذه المرة مختلفة، طبقا لأحمد، «لأننا مش حنسكت، ومش ممكن ننسى أو نكسل».
قرأ أحمد على موقع «فيسبوك» دعوة مجهولة لمظاهرة أمام نقابة المحامين من أجل كاميليا يوم 25 يوليو، فاستجاب لها وأخبر بها بعض أصدقائه «وما كانش فيها أى تنظيم وكان تأثيرها محدودا جدا»، أعقبها مظاهرة أخرى سيئة التنظيم فى مسجد النور. لكن هذه المظاهرات حققت هدف أهم، وهو تعريف المهتمين بالقضية ببعضهم البعض، فقد تبادلوا أرقام الهواتف واتفقوا على مواعيد لاجتماعات مقبلة.
«لما رجعت من مظاهرة مسجد النور، كنت محبط جدا، وقررت أعمل جروب على الفيسبوك علشان يبقى فيه تنظيم أكبر»، والحديث لهديم الراجى، أحد منظمى حملة كاميليا الذى اشترط عدم نشر اسمه الحقيقى، والاكتفاء بالاسم الذى يظهر به على الإنترنت.
تتشابه قصة هديم مع قصة أحمد فى توصلهم لقرار «الالتزام»، إلا أن هديم يربط بين بداية اهتمامه بالقضايا العامة ووصول الإنترنت إلى بيته.
يروى راجى أنه كان مهتما «بهداية المسيحيين»، على حد قوله، فكان يطبع اسطوانات مدمجة عليها مناظرات الداعية الجنوب أفريقى أحمد ديدات وعدد من القساوسة ويوزعها على الزبائن المسيحيين الذين يترددون على مقر عمله. «مرة واحد صاحبى شافنى وأنا أعطى السى دى لست كبيرة فى السن وعلى صدرها صليب، ولما عرف الموضوع نصحنى أبطل علشان المشاكل مع أمن الدولة».
الصديق نصح هديم بأن يستبدل أسلوب السيديهات، بنشر الدعوة على منتديات الإنترنت وغرف «البال توك» للمحادثة الصوتية التى تقام عليها مناظرات وسجالات مستعرة بين مسلمين ومسيحيين لا يكشف أغلبهم عن هويته الحقيقية. ومن الإنترنت، عرف هديم بموعد المظاهرات، ثم أسس مجموعة «أنا كاميليا شحاتة، أخت مسلمة لكم فأغيثونى»، والتى ضمت ما يقارب 10 آلاف عضو قبل إغلاقه من إدارة «فيسبوك» منذ أيام.
ومن خلال التواصل على «فيسبوك» والمقابلات فى المظاهرات الصغيرة غير المرتبة، بدأ الشباب يتجمعون للتخطيط لفعل أكبر. «كنا 12 واحد اتقابلنا فى الجنينة اللى جنب دار الأوبرا، وبعد كدة عملنا اجتماع أكبر حضره 25 واحد فى مسجد الفتح»، كما يروى هديم.
نتائج الاجتماعات والاتصالات كانت اختيار مسجد النور بالعباسية، المواجه للكاتدرائية المرقسية، مكانا جديدا للتظاهر، والاتفاق على الهتافات.
يقول أحمد إن بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الراغبين فى المشاركة بالمظاهرة قد اقترحوا عليهم استخدام هتافات عن الوحدة الوطنية مثل «نصون العهد ونوفى الذمة، الأقباط أبناء الأمة»، وهو ما اعتبره غالبية المتظاهرين، طبقا لأحمد، نوعا من التهاون المرفوض، مفضلين الشعارات النارية من طراز «قول للأنبا والقسيس دم المسلم مش رخيص» و«قول للقسسة والرهبان ليه تتشطروا عالنسوان».
واستطاعت مظاهرة مسجد النور أن تحقق الاهتمام الإعلامى المرغوب، «تخطيط قوى وناجح، صلينا الفجر فى الجامع وخبينا جواه الميكرفونات والبوسترات والورق اللى بيشرح للناس موضوع كاميليا فى مكان أمين»، وكانت المهمات موزعة بين المتظاهرين، فمنهم فريق مسئول عن كتابة وطباعة اللافتات، وفريق مسئول عن توزيع منشورات تشرح قصة كاميليا على المصلين بعد انتهاء صلاة الجمعة، وأعضاء بعينهم مسئولين عن الهتاف، وآخرين يوثقون الحدث بالصوت والصورة لرفعه على منتدى «فرسان السنة» ومنتدى «طريق الإسلام»، وفريق أخير لتنظيم المتظاهرين.
«فريق التنظيم ده هو أصعب حاجة»، طبقا لأحمد، فهو الفريق المسئول عن منع الاحتكاكات بين الأمن والمتظاهرين، والتأكد من سير الأمور وفقا للخطة، «وخطورته إن الناس اللى فيه بيلاحظهم الأمن بسهولة وبيعرفهم بسهولة».
وبدأت شبكة المتظاهرين المهتمين تتوسع وتجذب لها أتباعا جددا، لتبدأ المقابلات بين نشطاء القاهرة والمحافظات الأخرى لينتج عنها التخطيط لمظاهرة «مسجد القائد إبراهيم» التى أطلقوا عليها «وقفة الإعصار».
هذه المرة استمر التخطيط للوقفة عدة أسابيع، طبقا لهديم، وقام النشطاء بتوزيع منشور عنوانه «الأخت كاميليا هل نكبر عليك أربعا؟» على مرتادى المساجد بالإسكندرية والقاهرة يتهم الكنيسة بتعذيب كاميليا ويتساءل «أم تراهم بعد يأس من ردتك قتلوك؟».
يقول هديم أن نشطاء القاهرة قد طبعوا ووزعوا مؤخرا 1500 نسخة من المنشور، واستخدموا الأطفال لتوزيع المنشورات لتجنب الاعتقال أو اعتراض إدارة المسجد، «جمعنا شوية أطفال وإدينا كل واحد 2 جنيه وقلنالهم وزعوا الورق ده».
يؤكد هديم وأحمد أن المظاهرات ليس وراءها «تنظيم سياسى أو دينى، وليس لمجموعات المتظاهرين رئيس بعينه»، وإن كانوا يؤكدون أيضا أن منظمى المظاهرات مجموعة صغيرة من الأفراد تقرر كل شىء قبل أن تبلغه وتنشره. يقول أحمد «الفترة الجاية حناخد خطوات جديدة وكبيرة أكثر جرأة، بس لسة ما جاش وقت الإعلان عنها».