تقرير ماسبيرو - الفاعل مجهول

تقرير ماسبيرو - الفاعل مجهول






تقرير ماسبيرو - الفاعل مجهول


منى عبد الرحمن

بمجرد صدوره تعرض تقرير ماسبيرو - تقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكلها المجلس القومى لحقوق الإنسان بشأن أحداث ماسبيرو المفجعة - لسيل من الانتقادات، بدءا من افتقاد المهنية وعدم توخى الدقة، وانتهاء بالتحيز لرؤية القائمين على إدارة البلاد.ولعل أكثر ما دفع إلى هذه الانتقادات مصطلح «المدنيين المجهولين» الذى تكرر كثيرا بالتقرير، منذرا بتقييد القضية «ضد مجهول»، مما سيؤدى بالطبع إلى توالى الأحداث وتصاعد الخط الدرامى، كما يحدث فى الأفلام المصرية، ليتحول المظلوم إلى منتقم يثأر من كل المشتبه بهم.رغم حالة الاستفزاز التى أوجدها هذا المصطلح، فضلا عن لغة التقرير، التى جاءت أقرب إلى الحكى منها إلى تقصى الحقائق حوى التقرير بعض النقاط الجيدة، الجديرة بالاهتمام. أولى هذه النقاط متعلقة بسبر أغوار الأزمة، فقد سلط التقرير الضوء على ما سبق أن حذر منه العديد من المثقفين، من أن استمرار التعاطى مع حوادث الاعتداء على الأقباط، بعيدا عن ساحات القضاء وإعمال حكم القانون، فى إطار ما يسمى الجلسات العرفية، «تحت إشراف الأمن والمشايخ والكنيسة»، كما جاء بالتقرير نصا- يؤدى إلى إذكاء الفتنة.

وهو أمر منطقى، حيث يصنف الحضور إلى مسلم ومسيحى، بدلا من مدع ومدعى عليه، ناهيك عما تؤدى إليه الجلسات العرفية – بشكل عام - من إضعاف لسلطة الدولة المختصة مؤسساتها دون غيرها بوظيفتى القضاء وإنفاذ الأحكام.

أداء الإعلام المصرى الرسمى إبّان الأزمة، ودوره فى تفاقمها من النقاط المهمة أيضا الواردة بالتقرير، فرغم عدم الإشارة من قريب أو بعيد - بهذا التقرير - إلى المداخلة الهاتفية التى قام بها السيد وزير الإعلام وتصريحه لمذيعة الفترة الإخبارية- السيدة رشا مجدى بسقوط شهيدين للقوات المسلحة وإصابة 20 آخرين، فإنه يحسب لتقرير لجنة تقصى الحقائق توصيته بإحالة الموضوع برمته إلى «تحقيق جنائى، باعتبار أن التحريض جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات».

ويفوق ما سبق أهمية ما ورد بالتقرير بشأن قضية دهس المتظاهرين، حيث أكد وجود شهادات موثقة وتسجيلات حية لوقائع دهس أدت لاستشهاد 12 مواطنا، وإصابة خمسة آخرين بإصابات بالغة، قامت بها مركبتان مدرعتان تحركتا بسرعة بالغة وعلى نحو دائرى، فى إطار عملية تفريق المتظاهرين ومنعهم من الوصول إلى مبنى التليفزيون، ومن ثم أوصى بإجراء تحقيق من قبل لجنة قضائية مستقلة.

وأخيرا، فإنه يحسب لتقرير ماسبيرو أيضا التنبيه إلى أن مصر بعد قيام الثورة مازالت تحكم بقوانين غير متسقة مع الحريات العامة والتزامات مصر الدولية بهذا الشأن، كالقانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر، والمعدل بالقرار الجمهورى رقم 87 لسنة 1968، والقانون رقم 14 لسنة 1923 والخاص بتقرير الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة والمظاهرات فى الطرق العمومية.

وتنبئ تواريخ الإصدار عما تحويه هذه القوانين، التى جرمت – على سبيل المثال - كل تجمهر مؤلف من «خمسة أشخاص على الأقل إذا كان من شأنه أن يجعل السلم العام فى خطر وأمر رجال السلطة المتجمهرين بالتفرق».